عندما يبدأ كل شيء من قلب صغير
لم أعلم يوماً أن قرارًا بسيطًا مثل الاشتراك في عمل تطوعي يمكن أن يغيرني من الداخل بهذا الشكل العميق.
كنت فتاة عادية، أعيش حياة مريحة نوعًا ما، لكن بداخلي شعور دائم بالفراغ… كنت أبحث عن شيء يمنح لحياتي معنى أكبر، شيء يجعلني أشعر أنني أترك أثرًا حقيقيًا في العالم.
جاءني بريد إلكتروني من مؤسسة خيرية تعلن عن فرصة للعمل التطوعي في قرية نائية في إفريقيا.
في لحظة، شعرت أنني وجدت ما كنت أبحث عنه.
رغم خوف أهلي وقلقي من المجهول، قررت… أن أذهب.
الفصل الأول: أول خطوة نحو المجهول
وصلنا إلى تلك القرية بعد رحلة طويلة شاقة عبر الطيران والحافلات وحتى السير على الأقدام.
كانت قرية صغيرة جدًا، بلا كهرباء، بلا شبكة هاتف، والماء يُجلب من بئر بعيد
الناس هناك كانوا يبتسمون دائمًا، رغم الفقر، رغم بساطة الحياة… وهذه أول صدمة بالنسبة لي:
كيف يمكن لأناس لا يملكون شيئًا… أن يكونوا بهذا الدفء والسعادة؟
بدأنا نعمل منذ اليوم الأول. كنت جزءًا من فريق يهتم بتعليم الأطفال ومساعدة النساء في الأعمال اليدوية الصغيرة.
الأطفال كانوا متحمسين جدًا لأي شيء، حتى لو كان مجرد ورقة وألوان.
في أحد الأيام، قررنا أن ننظم رحلة للأطفال إلى الجبل المجاور.
كانت الشمس حارقة، والطريق وعرة، والأطفال يضحكون ويتسابقون وهم حفاة.
تعلمت في هذه الرحلة أن القوة ليست في العضلات، بل في القلب.
وفي مرة أخرى، ضاعت إحدى المتطوعات في الغابة القريبة عند غروب الشمس.
خرج الرجال من القرية، ومعهم المصابيح اليدوية، وكلنا كنا ندعو أن تعود بخير.
وبالفعل، وجدناها بعد ساعتين مرهقتين، متعبة وخائفة، لكنها بخير…
تلك الليلة جلسنا معًا نشرب الشاي تحت ضوء القمر، ونتحدث عن قيمة الحياة والبقاء.
خلال أسبوعين فقط، تعلمت أكثر مما تعلمته في سنوات دراسية.
تعلمت أن العطاء لا يحتاج ثروة… بل يحتاج نية طيبة.
تعلمت أن السعادة ممكنة حتى في بيت مصنوع من الطين.
تعلمت أن أستمع أكثر، وأحكم أقل.
وتعلمت أن ما أعتبره “عادي” في حياتي… هو حلم بالنسبة لغيري.
في نهاية الرحلة، أقامت القرية لنا احتفالًا صغيرًا.
غنوا بلغتهم، وأهدونا سلالًا فيها فواكه وخيوط ملونة من صنع أيديهم.
بكيت. نعم، بكيت من كل قلبي.
كنت أظن أنني ذاهبة لأعطي، لكنني اكتشفت أنني أنا من تلقيت أكثر مما أعطيت.
نهاية… وبداية جديدة
عدت إلى وطني بجسد متعب، وقلب مليء بالحياة.
اختلفت نظرتي لكل شيء: للماء الذي يخرج من الصنبور، للسرير النظيف، للطعام الزائد.
والأهم: قررت أن أستمر في العمل التطوعي، وأن أشارك قصتي مع كل من حولي.
هذه التجربة لم تكن مجرد مغامرة…
كانت ولادة جديدة.
رسالة لك أنت:
لا تنتظر أن تملك كل شيء لتساعد غيرك.
لا تخف من الخروج من منطقتك الآمنة.
المغامرة الحقيقية ليست في السفر فقط، بل في تغيير القلوب، وأول قلب يجب أن يتغير… هو قلبك.