منذ أن كنت في سنّ المراهقة، كانت ملامحي الطفولية ونحافتي الزائدة تلفت الأنظار أينما ذهبت. كنت أسمع تعليقات لا تخلو من المزاح القاسي، كأن يقول أحدهم:
“هل تأكلين أصلاً؟” أو “لو هبّت نسمة قوية قد تطيرين!”
كنت أضحك معهم أحيانًا، وأتظاهر أن الأمر لا يزعجني، لكن الحقيقة أن كل كلمة كانت تترك جرحًا في داخلي. كنت أنظر إلى نفسي في المرآة وأشعر بأنني لا أنتمي إلى هذا الجسد الهزيل. رغم أنني كنت أتمتع بصحة جيدة، إلا أن صورة الجسد التي كنت أتمناها، والتي تشبه أنوثتي وشخصيتي، لم تكن موجودة.
جربت كثيرًا… كنت آكل كثيرًا، أو هكذا كنت أظن، لكن وزني لا يتحرك.
قرأت وصفات على الإنترنت، تناولت المكسرات، والحليب، والبطاطس، وشربت الحلبة حتى كرهتها.
جربت الخميرة، والسيريلاك، وحتى بعض الفيتامينات. وكل مرة كانت تنتهي بخيبة أمل…
إما بسبب أعراض جانبية، أو بسبب زيادة مؤقتة لا تلبث أن تزول فور أن أتوقف.
ومع مرور الوقت، بدأت أنعزل عن بعض التجمعات. مللت من أن أكون “الضعيفة” أو “النحيلة جدًا” حتى تسوّق الملابس أصبح مؤلمًا، إذ لم يكن أي شيء يليق بي كما أريد.
وفي لحظة صدق مع النفس، أدركت أنني بحاجة إلى خطة حقيقية، لا اجتهادات شخصية.
ذهبت إلى طبيبة تغذية، جلست معها مطولاً، شرحت لها كل شيء… عاداتي، أكلي، نشاطي، وحتى نفسيتي.
فاجأتني حين قالت إن وزني ليس مجرد مسألة طعام، بل هناك عوامل أخرى: معدل الحرق السريع، ونقص بعض الفيتامينات، والقلق الذي كنت أعيشه.
وصفت لي برنامجًا متوازنًا:
نظام غذائي غني بالسعرات ولكن صحي.
مكمل غذائي يساعد على فتح الشهية وتحسين الامتصاص.
جدول للتمارين الرياضية الخفيفة لزيادة الكتلة العضلية لا الدهون.
وأهم نقطة: الصبر.
بدأت رحلتي الحقيقية…
في الأسبوع الأول، لم يتغير شيء تقريبًا، لكنني التزمت.
وفي الأسبوع الثالث، بدأت ألاحظ أن وجهي أصبح أكثر امتلاءً، أن هناك فرقًا في شكل جسمي، وأن ميزانيتي النفسية بدأت تتحسّن.
مرّت الشهور، وزاد وزني 7 كيلوغرامات. لم تكن فقط أرقامًا على الميزان، بل كانت ثقة، وسعادة، وشعور بالإنجاز.
بدأت أرتدي الملابس التي كنت أحلم بها، وتغيّرت نظرة الناس، لكن الأجمل أن نظرتي لنفسي هي التي تغيّرت حقًا.
لم أعد تلك الفتاة التي تحاول أن تُخفي جسدها أو تتجنب الصور، بل أصبحت أحبني كما أنا.
رحلة التسمين لم تكن مجرد طعام، بل كانت رحلة إلى داخلي.
تعلمت فيها أن أحب نفسي خلال التغيير، لا فقط بعده.
وعرفت أن النحافة ليست عيبًا، ولكن من حق كل إنسان أن يسعى للشكل الذي يشعره بالرضا… ما دام ذلك دون ضرر ولا تطرف.
واليوم، حين أنظر لنفسي، لا أفرح فقط لأنني وصلت للوزن الذي أريده، بل لأنني قاومت، وثابرت، ووصلت.