تجربتي في المشي كل يوم نصف ساعة

 

منذ فترة ليست ببعيدة، كنت أشعر بثقل الحياة وضغوطها المتراكمة، وكأنني أحمل على كتفي جبالاً من التعب والإرهاق. قررت في لحظة صدق مع نفسي أن أغير شيئاً صغيراً لكنه قد يصنع فرقاً كبيراً، فاخترت عادة بسيطة: المشي نصف ساعة كل يوم. لم أكن أتخيل أن هذه النصف ساعة ستتحول إلى رحلة مليئة بالمغامرات، ومصدر إلهام لم أعهده من قبل.

 

في الأيام الأولى، كان الطريق يبدو عادياً، مجرد شوارع أعرفها جيداً. لكن مع مرور الوقت، بدأت ألاحظ تفاصيل صغيرة لم أرها من قبل؛ شجرة زهرها يشرق كابتسامة، عصفور يقفز بين الأغصان وكأنه يحييني، وحتى ذلك الرجل العجوز الذي يبيع الخبز على ناصية الشارع، صار يبتسم لي كلما مررت.

 

المغامرات الحقيقية بدأت حين قررت تغيير الطرق كل يوم. في أحد الأيام، دخلت حارة ضيقة لم أرها من قبل، اكتشفت في نهايتها مقهى صغيراً له رائحة قهوة تشبه الحنين. جلست هناك، وتعرفت إلى شاب يعزف العود بصوت ناعم، حكى لي عن شغفه بالموسيقى وكيف أن المشي اليومي وسط الطبيعة هو مصدر إلهامه للألحان.

 

في يوم آخر، وبينما كنت أسير على كورنيش النيل، قررت أن أتابع خط سير قارب صغير يمر بجانبي. كدت أقع في النهر وأنا أركز على القارب، لكن ضحكات الأطفال القريبة أنقذتني من هذا الموقف المحرج. شعرت يومها أن هذه اللحظات العفوية هي ما يجعل الحياة ممتعة.

 

ومع مرور الأيام، صار المشي رحلة داخل نفسي قبل أن يكون رحلة خارجية. كنت أراجع أحلامي المؤجلة، أفكر في مواقف مضت، وأخطط لمستقبلي. نصف ساعة من المشي كانت بمثابة جلسة علاجية، تمسح غبار التوتر عن قلبي.

 

حتى جسدي بدأ يتغير؛ أصبح أخف وأكثر نشاطاً، وصارت خطواتي أكثر قوة وثباتاً. الأجمل من كل ذلك، أنني تعرفت على أشخاص جدد: امرأة مسنّة كانت تمشي معي كل صباح، وتروي لي قصص شبابها كأنها حكايات من كتاب قديم، وصاحب كلب ظريف اعتاد أن يركض حولي وكأنه يشاركنا المغامرة.

 

كانت هناك لحظة لن أنساها أبداً، حين توقفت فجأة وسط الطريق وشعرت بريح خفيفة تمر على وجهي. وقتها أدركت أنني لم أعد أسير هرباً من شيء، بل أسير لألتقي بنفسي، لأتنفس، ولأعيش تلك اللحظة بكل تفاصيلها.