لم أكن أعلم أن لحظة واحدة من الصدق مع النفس، يمكن أن تغيّر مجرى حياة بأكملها.
كنت أعيش حياة مزدحمة، مليئة بالمهام والانشغالات، أركض من عمل إلى آخر، ومن موعد إلى موعد، لكنّ قلبي كان خاليًا، وروحي مثقلة. كنت أؤدي صلواتي أحيانًا، وأهملها أحيانًا كثيرة، وخصوصًا صلاة الفجر… تلك التي كنت دائماً انام واغفل عنها، كنت أقول لنفسي دائمًا: “سأبدأ غدًا… سأستيقظ في يومٍ ما، وأواظب عليها.”
لكن الغد كان يمرّ، ويليه آخر، وقلبي يزداد قسوة، وروحي تبتعد عن النور شيئًا فشيئًا.
وفي ليلة من الليالي، كنت أشعر بفراغ شديد. شعور لا يوصف، وكأنني أعيش ولكن لا أتنفّس. فتحت هاتفي، ومرّ أمامي مقطع قصير لرجل مسنّ يبكي بحرقة وهو يقول:
“إن لم تُصلِّ الفجر… فمتى ستطلب من الله أن يبدّل حالك؟”
أغلقت المقطع وشعرت أن الله يوجّه لي رسالة خاصة، وأن الوقت قد حان.
في اليوم التالي، ضبطت منبهي على الرابعة والنصف فجرًا، ووضعت الهاتف بعيدًا عن السرير حتى أضطر للنهوض لإغلاقه.
حين رنّ المنبه، شعرت بثقلٍ شديد… كل خلية في جسدي تقاوم، لكنني قاومتها.
قمت، توضأت، وصليت الفجر… لأول مرة منذ أشهر، بل ربما سنوات.
ما شعرت به بعد التسليم لا يُمكن وصفه. سكون عجيب، وطمأنينة لم أذقها منذ زمن.
كأن شيئًا انكسر داخلي، وأعقبه نور لطيف دخل قلبي.
منذ ذلك اليوم، قطعت عهدًا بيني وبين الله: ألا أترك صلاة الفجر مهما كان الثمن.
وفي البداية كانت الرحلة شاقة… النوم يغلبني، وأحيانًا أفشل، لكنني كنت أعود وأبدأ من جديد، بإصرار لا يعرف الكلل.
ومع مرور الأيام، لم يكن التغيير في عبادتي فقط، بل في حياتي كلها.
استقام وقتي. أصبحت أبدأ يومي بنشاط غير معتاد.
انفتحت لي أبواب الرزق بطريقة لا تفسير لها.
أصبحت أكثر هدوءًا، وصار قلبي أكثر لينًا. علاقتي بأهلي تحسّنت، ونفسيتي استقرت.
حتى المشاكل التي كنت أظنها مستحيلة الحل، بدأت تُحلّ أمامي بهدوء عجيب، كأن الله كان ينتظر فقط أن أعود إليه.
كنت أسمع سابقًا عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللهم بارك لأمتي في بكورها”
لكني لم أفهمه حقًا إلا حين عشت بركة البكور بنفسي.
كنت أنجز في ساعات الصباح ما لم أكن أستطيع إنجازه في يوم كامل.
والأهم من كل ذلك، أنني شعرت بقيمة القرب من الله… بلذة لا تعادلها لذة.
الخلاصة؟
لم تكن صلاة الفجر مجرد ركعتين، بل كانت مفتاحًا لباب واسع من الرحمة، والنور، والسكينة.
تعلمت أن الله لا يبتعد عنّا أبدًا… نحن فقط من نتأخر عن لقائه.
واليوم، حين أسمع الأذان فجرًا، أبتسم وأقول:
“حان موعد اللقاء الأجمل.”