رحلتي مع التوبة وتجديد الإيمان بعد فترة من الضياع

 

بدأت قصتي في فترة صعبة من حياتي، كنت أشعر بأنني أعيش في ظلام نفسي وروحي، حيث فقدت فيه الاتصال مع ذاتي الحقيقية ومع الله. مرت بي سنوات من الضياع، مليئة بالتردد والابتعاد عن تعاليم ديني، حيث عشت حياة مليئة بالشكوك، الانحرافات، والابتعاد عن العبادة والقيم التي نشأت عليها.

كنت أفتقد السلام الداخلي، وأجد نفسي أتعثر في دوامة من الأخطاء والقرارات السيئة، ما أثر على علاقاتي مع عائلتي وأصدقائي، وكذلك على صحتي النفسية والجسدية.

 

كانت البداية الحقيقية للتحول عندما وصلت إلى قاع نفسي ومعنوي عميق. شعرت بحزن وكآبة لا حدود لهما، وغمامة ثقيلة تغلف قلبي. كان الألم الداخلي يدفعني للتساؤل: “هل يستحق هذا الطريق الذي أنا عليه أن أستمر فيه؟ هل يمكن أن يكون هناك خلاص لي؟” أخذت أعود بذاكرتي إلى أيام الطفولة، إلى اللحظات التي كنت أشعر فيها بالقرب من الخالق، حيث كانت حياتي بسيطة وملؤها الطمأنينة.

بدأت أبحث بجدية عن معنى لحياتي، وكنت أقرأ القرآن الكريم، أتابع القصص الدينية، وأستمع إلى خطب ودروس عدة، لكنني كنت أفتقد القوة لتنفيذ الواجبات الدينية والابتعاد عن الذنوب. لم يكن الأمر سهلاً، فكان الشيطان يُغويني بالشكوك وأصدقائي في تلك المرحلة لم يساعدوني بل كانوا سبباً في تضييق الخناق عليّ وزيادة الضياع.

لكن كان هناك نور صغير بداخلي لم يُطفأ، حتى في أحلك اللحظات. جاءني موقف بسيط عندما جلست وحدي في غرفتي أستنشق الهواء ببطء، وأمامي مصحف قديم كان لدي منذ سنوات فتحت المصحف بعفوية ووقعت عيني على آية تقول:

“وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ.” (المؤمنون: 97-98)_

 

شعرت بحركة داخلية عميقة، وكأن الله يكلمني شخصياً في تلك اللحظة بأن يلجأ إليه، وأن يلجأ إلى رحمته التي وسعت كل شيء. بدأت أصلي، أرفع يديّ إلى السماء بدموع تتساقط من قلبي المنكسر. كانت تلك الليلة نقطة بداية لمسيرة التوبة التي غيرت حياتي.

 

بدأت أتوب توبة نصوحاً، وأعد نفسي بتغيير حياتي من جذورها. لكن لم تكن الطريق سهلة، فكل يوم كان يحمل معي تحديات جديدة من نفسي ومن العالم الخارجي. كنت أبدأ يومي بالاستغفار والدعاء، وأحدد لنفسي أهدافاً صغيرة: أن أصلي الصلوات في أوقاتها، أن أبتعد عن الأماكن والأشخاص الذين كانوا سبباً في إغراقي في الضياع، أن أقرأ جزءاً من القرآن يومياً، وأن أتعلم كيف أغفر لنفسي وأتقبل ضعفي كبشر.

كنت أشعر بأنني لا أستحق رحمة الله، لكني تعلمت من القصص في السيرة النبوية وفي القرآن أن رحمة الله واسعة، وأنه يقبل توبة العبد مهما عظمت ذنوبه إذا كانت توبته صادقة.

على مر الأسابيع، بدأت أشعر بتغير كبير في داخلي. أصبحت أقدر جمال الصلاة وتأمل كلمات القرآن، وأجد نفسي أبتسم وأشعر بالرضا عن ذاتي ورتب حياتي بشكل أفضل. نصرتني عائلتي وأصدقاء جدداً عرفوا حقيقة تغيري، ودعموني بدون شروط.

 

ومع مرور أشهر، نما إيماني وزاد يقيني بالحياة بعد الضيق. أدركت أن الرحلة مع الله ليست في لحظة ولكنها عمر كامل من السعي والمثابرة، من الدعاء والعمل الصالح.

 

ومن أهم الدروس التي تعلمتها في رحلتي مع التوبة وتجديد الإيمان هي:

 

لا تحكم على نفسك بناءً على أخطاء الماضي، فأبواب الله مفتوحة دائماً للتوبة.

 

الصدق مع النفس هو الخطوة الأولى نحو التغيير الحقيقي.

 

الصبر والمثابرة مفتاح النجاح في مواجهة الشدائد الروحية.

 

الاقتراب من الله يكون بالأعمال الصغيرة المستمرة: الصلاة، قراءة القرآن، الدعاء، وأفعال الخير.

 

الابتعاد عن الصحبة السلبية أمر أساسي لضمان الاستمرار في الطريق المستقيم.

 

التواضع وطلب المساعدة من أهل العلم والصداقات الصالحة يساعد في تخطي المحن.

 

اليوم أشعر أنني ولدت من جديد، وأعيش حياة فيها نور، أمل، ويقين. لا أخفي أنني ما زلت أتعلم وأخشع، وأحاول أن أكون أفضل كل يوم، لكنني أعيش في سعادة وراحة نفسية عظيمة لم أشعر بها منذ سنوات.

 

رحلتي مع التوبة وتجديد الإيمان كانت أعظم هدية تلقيتها من الله، فهي ليست فقط تصحيح لمسار حياتي بل بداية لفصل جديد من الأمل والحب والإيمان القوي.