قصتي في مكافحة العنف الأسري

 

بداية الأزمة:

كان الجو في منزلنا يزداد توتراً يوماً بعد يوم، خاصة بين والدي ووالدتي. كان العنف الأسري يظهر بأشكال مؤلمة وواضحة، حيث تحولت الخلافات إلى مشاجرات وصراخ، ثم إلى ضرب بينهما وحتى بيني وبين أخوتي أحيانًا، بسبب ضغط الوضع وكثرة المشاكل التي تراكمت دون حوار مفتوح أو حلول.

 

كنت أشاهد ذلك بشعور من الخوف والقلق، وأجد أن البيت الذي كان يفترض أن يكون ملجأً وأماناً، بات ميداناً للصراعات والعنف الجسدي. تأثير هذه المشاهد كان على نفسيتي بشكل عميق، فقد كبرت وأنا أرى المشاعر تتحول إلى صراعات، والحب يتحول أحياناً إلى أذى.

 

مدى تأثير العنف علينا كعائلة

الضرب والصراخ لم يكن فقط مؤلم جسدياً، بل أثر على علاقاتي مع والديّ وأخوتي. كنا نشعر بعدم الأمان، وكان الكل يعيش تحت ظل خوف مستمر من الانفجار التالي. بدأت تظهر علامات توتر واكتئاب، وأدى ذلك إلى ضعف التواصل بيننا، وانعدام الثقة. كما بدأ الأداء الدراسي لي ولأشقاءي يتدهور، واختفت الضحكات من أجواء البيت.

 

كانت أمي تبكي في صمت بسبب الألم النفسي والجسدي، والدي غالبًا ما كان يندم بعد كل مرة، لكنه كان غارقاً في دوامة غضبه. المشاعر السلبية باتت تعطل قدرتنا على التفكير بهدوء، وكان من الواضح أننا بحاجة لتدخل حقيقي يوقف هذه الدوامة.

 

دوري في مواجهة المشكلة: قرار بالمواجهة

لم أعد قادراً على الصمت، شعرت أنني يجب أن أتدخل قبل أن يدمر العنف كل ما تبقى من العائلة. كان علي أولًا أن أفهم طبيعة المشكلة، فبدأت أراقب، وأستمع، وأجمع شجاعتي لأفتح حواراً مع والديّ بشكل منفرد.

 

واجهتهما بطريقة هادئة، عبرت عن مشاعري ومخاوفي بدون لوم أو تجريح، وقلت لهم بصراحة إن استمرار العنف سيؤدي لتفكك الأسرة وحزن الجميع. حاولت أن أجعلهم يرى كيف أن الضرب والصراخ لا يصلحان شيئًا، بل يجرح الماضي والمستقبل.

 

رغم الصعوبات في البداية، كان هذا الحوار بدايات تغيير مهم. بدأت أتحدث أيضًا مع أخوتي وأشجعهم على التعبير عن مشاعرهم، وكنا نجتمع بيننا لنحاول أن نكون دعمًا لبعضنا البعض حتى في اللحظات الصعبة.

 

البحث عن حلول: طلب المساعدة والتعلم

أدركت أن المشكلة أكبر من أن تُحل بالكلمات فقط، فاقترحت على الأسرة أن نطلب مساعدة خارجية. تواصلنا مع مستشار أسري محترف وفريق دعم نفسي لمساعدتنا على فهم جذور العنف وكيفية التعامل معه بشكل فعال.

 

بدأنا بجلسات علاج عائلي، حيث تعلم كلٌ منا كيف يعبر عما يشعر به بطرق بناءة، وكيف نتحكم في الغضب ونتعامل مع المشاعر السلبية. تم التركيز على بناء مهارات التواصل، التسامح، وضبط النفس. كانت تلك الجلسات بمثابة نقطة تحول حقيقية في حياتنا.

 

كما بدأت الأسرة بتطبيق قواعد صارمة لمنع استخدام العنف، واتفقنا على إيقاف أي تصاعد للأحداث بمجرد ظهور علامات التوتر، واللجوء إلى الحوار أو فترات هدوء للتفكير والتهدئة.

 

نتائج التدخل والتغيير المستمر

بمرور الوقت، بدأ الجو في البيت يتغير تدريجياً. قلت حالات العنف بشكل ملحوظ وتحول الصراع إلى حوارات أكثر هدوءًا واحترامًا. أصبح كل فرد منا يشعر بأنه مسموع ومحترم، وبدأت العلاقات تعود إلى سابق عهدها.

 

أنا شخصياً شعرت بقوة وأن دوري كابن وأخ يحمل مسؤولية حقيقية في حماية الأسرة، وإقامة جسر التواصل بين الأجيال، وهذا زادني إصراراً على الاستمرار في دور الدعم والمساعدة.

 

في بعض الأحيان كانت هناك نكسات، لكننا تعلمنا ألا نيأس، وأن نعود للمبادئ التي تعلمناها في الجلسات ونطبقها بحب وصبر.

 

الدروس التي تعلمتها من تجربتنا:

العنف لا يحل المشكلات بل يزيدها تعقيدًا، ويدمر علاقات الحب والاحترام.

 

الحوار الصادق والمفتوح هو مفتاح البداية للتغيير.

 

طلب المساعدة من الخبراء أمر ضروري وغير عيب، بل دليل على القوة.

 

دعم الأسرة وتكاتفها أهم من أي خلاف مؤقت.

 

الصبر والمثابرة يصنعان الفرق الحقيقي في مواجهة العنف الأسري