كيف عالجت ابني من التوحد

لم أكن أعرف أن كلمة واحدة يمكن أن تفتح بوابة من القلق، وتجرّني في رحلة طويلة من الحزن، ثم الأمل، ثم الحب الحقيقي…
كلمة قالها الطبيب بهدوء، لكن وقْعها على قلبي كان كزلزال صامت:
“ابنك يعاني من اضطراب في طيف التوحد.”

في البداية، لم أفهم. لم أكن أعرف ما هو “التوحد” حقًا. كنت أظنه فقط تأخّرًا في النطق، أو عزلة بسيطة…
لكن بعد تلك الزيارة، بدأت أقرأ، أبحث، أسأل، وأغوص في بحرٍ من المعلومات التي كنت أجهلها تمامًا.

المرحلة الأولى: ما هو التوحد؟ ولماذا ابني؟

في بحثي المتواصل، عرفت أن التوحد ليس مرضًا، بل اضطراب في النمو العصبي يؤثر على:

  • التفاعل الاجتماعي

  • التواصل (اللفظي وغير اللفظي)

  • السلوك (مثل التكرار أو الروتين)

وسألت نفسي السؤال الذي يؤرق قلب كل أم:
لماذا ابني؟ ما سبب ذلك؟

وجدت أن العلماء لا يعرفون سببًا واحدًا واضحًا للتوحد، بل هو نتيجة تفاعل معقّد بين عوامل عديدة، منها:

أسباب محتملة للتوحد:

  1. عوامل جينية
    بعض الأطفال يولدون بتركيبة جينية تجعلهم أكثر عرضة للتوحد.

  2. عوامل بيئية
    كالتعرّض لمواد كيميائية أو عدوى أثناء الحمل.

  3. عوامل بيولوجية
    تغيّرات في نمو الدماغ أو الاتصال بين خلاياه.

  4. عمر الوالدين عند الإنجاب
    وُجدت علاقة بين التوحد وكون أحد الأبوين متقدمًا في العمر.

  5. ولادة مبكرة أو نقص الوزن عند الولادة

لكن رغم كل هذه الأسباب، الحقيقة أن التوحد يمكن أن يظهر حتى في أكثر الأسر حُبًا واهتمامًا، فهو لا يُلام عليه أحد.

المرحلة الثانية: الصدمة، ثم الأمل

مرّت عليّ ليالٍ كنت أحتضن فيها ابني وهو نائم، وأبكي بهدوء. كنت أفتقد أن يقول لي “ماما”، أو أن يركض إليّ كما يفعل باقي الأطفال.
لكني قررت أن لا أستسلم.

بدأنا رحلة العلاج، وكانت الخطوة الأهم: التدخل المبكر.

المرحلة الثالثة: طرق علاج التوحد التي اتبعتها

اكتشفت أن التوحد لا “يُشفى” كما تُشفى الحمى، بل يمكن تطوير قدرات الطفل بدرجة مذهلة، حتى يصبح قادرًا على التفاعل والتواصل بشكل طبيعي أو شبه طبيعي.

 طرق العلاج التي ساعدت ابني:

  1. العلاج السلوكي (ABA)
    علّم ابني كيف يتفاعل، كيف يطلب، كيف يرد على اسمه، من خلال تعزيز إيجابي وسلوكيات متكررة.

  2. جلسات التخاطب
    كانت حجر الأساس في تطوير لغته، من مجرد أصوات إلى كلمات ثم جُمل.

  3. العلاج الوظيفي
    ساعده على استخدام يديه، والانتباه، والتحكم في عضلاته الدقيقة.

  4. العلاج الحسي
    لأن الأطفال المصابين بالتوحد لديهم حساسية مفرطة أو ضعيفة تجاه الأصوات، الروائح، أو اللمس.

  5. نظام غذائي متوازن
    قلّلت السكريات، وراقبت المواد الحافظة، واتبعت نصائح الطبيب المختص بالتغذية.

  6. الدعم الأسري والتدريب الذاتي
    حضرت دورات تدريبية أنا وزوجي لأتعلم كيف أكون جزءًا من العلاج في كل لحظة من اليوم.

المرحلة الرابعة: نتائج العلاج… ثمرة الصبر

بعد سنة ونصف من الجهد اليومي، بدأت أرى التحوّل الحقيقي في ابني:

  • بدأ ينظر في عيني عند الحديث

  • بدأ يقول “ماما” حين يحتاجني

  • صار يعانقني حين يفرح، ويغضب حين يُمنع من شيء (وهذا تطور!)

  • يتحدث بجمل بسيطة الآن

  • أصبح يحب أن يلعب مع الأطفال، حتى وإن بصعوبة

كان كل ذلك بفضل التدخل المبكر، والدمج بين أنواع متعددة من العلاج، والحب والصبر غير المشروط.

الخاتمة: من الظلام إلى النور

اليوم، وبعد أربع سنوات من التشخيص…
آدم في مدرسة دامجة، يتعلم ويشارك، ويمشي في الحياة بخطواته الخاصة.
ربما سيظل “مختلفًا” بعض الشيء، لكنه ليس ناقصًا، بل مميزًا بطريقته الخاصة.

تعلمت من هذه الرحلة أن التوحد ليس نهاية، بل بداية شكل جديد من الحب، من الصبر، من الأمومة.
وأن أطفال التوحد لا يحتاجون “شفاءً”، بل يحتاجون من يفهمهم، من يرافقهم، من يحبهم كما هم، لا كما نريدهم أن يكونوا.