كيف غيرتني تجربة الحج من الداخل

 

لم أكن أضع في بالي هذا العام أنني سأكون بين ضيوف الرحمن. كانت حياتي مزدحمة بين العمل والمسؤوليات اليومية، وكنت أعتبر الحج حلمًا بعيد المنال، مؤجلًا إلى سنوات قادمة. لكن ما حدث كان أشبه بمعجزة، أو صدفة جميلة كتبها الله لي قبل أن أفكر فيها.

كل شيء بدأ عندما اتصل بي أحد أقاربي يخبرني أن هناك قرعة للحج هذا العام، وأنه سجل اسمي معها دون أن يخبرني. في البداية ابتسمت ولم آخذ الأمر بجدية، فكم من أشخاص يضعون أسماءهم في القرعة ولا يخرج لهم نصيب! لكن بعد أيام، وبينما كنت منشغلاً في عملي، جاءني الخبر الصاعق: “لقد فزت في القرعة وستذهب للحج هذا العام.”

لم أصدق نفسي، وجلست صامتًا لعدة دقائق. كان قلبي ينبض بسرعة، وشعرت وكأنني أُختيرت لموعد خاص مع الله لا يُعطى إلا لمن يحبهم.

منذ تلك اللحظة، تغير كل شيء في أيامي. بدأت أبحث عن معنى الحج ومناسكه، وعن قصص الآخرين الذين مروا بهذه التجربة. كنت أستيقظ كل يوم وأنا أشعر بأنني على موعد مع حياة جديدة. لم يكن الاستعداد جسديًا فقط، بل كان روحيًا أكثر. أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر استغفارًا، وكأنني أريد أن أصل إلى مكة بقلب نظيف خالٍ من الأحقاد.

 

لحظة الوصول إلى مكة:

عندما اقتربت من مكة لأول مرة، رأيت الناس يلبسون الإحرام، وجوههم مضيئة وكأنها تغسلها الطاعة والرجاء. وعندما رأيت الكعبة، لم أتمالك نفسي. دموعي انفجرت دون توقف، وكأن كل ما في داخلي من آلام وأحلام خرج في تلك اللحظة. كنت أنظر إلى الكعبة ولا أريد أن أغمض عيني، وكأنني أخشى أن يسرق مني أحد هذا المشهد.

 

الطواف حول الكعبة كان شيئًا لا يمكن وصفه بالكلمات. كل دعوة قلتها شعرت وكأنها تصعد إلى السماء دون حواجز. كنت أطلب من الله أن يغفر لي، أن يصلح حياتي، أن يحقق لي ما عجزت عنه لسنوات.

 

رحلة الحج وعرفة:

أما الوقوف بعرفة، فقد كان أعظم محطة في حياتي. تخيل أن تكون وسط ملايين البشر، كلهم يرفعون أيديهم إلى السماء، يبكون، يتوسلون، يطلبون من الله الرحمة. هناك، شعرت أنني صغير جدًا أمام عظمة الله، وأن كل مشاكلي وأحزاني ليست شيئًا مقارنة برحمته وقدرته.

 

كنت أدعو بقوة، بدموع لم تتوقف لساعات، وكأنني أتحدث مع الله وجهًا لوجه. شعرت أن قلبي يتطهر، وأنني ولدت من جديد بعد ذلك اليوم.

بعد عودتي من الحج والعمرة، تغير كل شيء داخلي. أصبحت أنظر للحياة بطريقة أبسط وأعمق في الوقت نفسه. تعلمت معنى الرضا، وأن ما يخطط له الله دائمًا أفضل مما نخطط نحن. أصبحت أرى النعم التي كنت أغفل عنها، وأشكر الله عليها كل يوم.