كنت دائمًا شخصًا يفضل الجلوس في الصفوف الخلفية، أستمع بصمت، وأتجنب أي موقف قد يدفعني إلى التحدث أمام الآخرين. مجرد فكرة أن تقابلني عشرات العيون، تنتظر مني أن أقول شيئًا، كانت كفيلة بأن تجعل قلبي يخفق كأنه سيقفز من صدري. لكنني لم أكن أعلم أن لحظة مواجهة هذا الخوف ستصبح نقطة تحول كبيرة في حياتي.
البداية مع الموقف المفاجئ
كل شيء بدأ عندما أعلن أستاذ الجامعة أننا سنقدم عروضًا شفوية عن مشاريعنا أمام زملائنا. شعرت أن الأرض تهتز من تحتي. كيف سأقف أمام الجميع وأتحدث؟ كنت أعاني حتى من قراءة فقرة قصيرة بصوت مرتفع أمام الصف! في تلك الليلة، لم أستطع النوم. كل ما كان يدور في رأسي هو السيناريوهات الفاشلة: أن أنسى الكلمات، أن أتلعثم، أن يضحك الجميع، أو أن أنسى ما أريد قوله تمامًا.
قرار المواجهة
في صباح اليوم التالي، جلست مع نفسي وقلت: “إلى متى سأهرب من هذا الخوف؟ إن لم أواجهه الآن، فمتى؟” كان في داخلي شعور بأن الهروب سيجعلني أسيرًا للأبد، بينما لو حاولت ولو لمرة واحدة، ربما أكتشف شيئًا جديدًا. قررت أن أواجه.
التحضير خطوة بخطوة
بدأت بكتابة كل ما سأقوله في العرض وكأنني أكتب قصة. كنت أعيد صياغته لأجعله بسيطًا وسهلًا حتى لا أتوه في الكلام. ثم وقفت أمام المرآة، أتحدث وكأن هناك جمهورًا أمامي. في البداية، كان الأمر غريبًا، لكن شيئًا فشيئًا، بدأت أعتاد على سماع صوتي وأراقب تعابير وجهي.
بعد ذلك، طلبت من أخي أن يستمع لي، وقلت له: “عاملني وكأني أمام جمهور حقيقي، وإذا شعرت أنني تلعثمت أو فقدت الثقة، انظر لي نظرة حادة حتى أستعيد تركيزي.” كانت هذه التدريبات الصعبة بمثابة تسخين قبل المعركة.
اليوم المنتظر
جاء اليوم الذي سأقف فيه أمام الجميع. دخلت القاعة، وكنت أشعر أن يديّ تتعرقان، ورجلاي ترتجفان. قلبي كان يدق بسرعة لم أشعر بها من قبل. كل ما أتمناه هو أن ينتهي دوري بسرعة، لكن المفاجأة أنني كنت الشخص الثالث على القائمة!
عندما نادى الأستاذ اسمي، شعرت وكأن كل شيء توقف للحظة. أخذت نفسًا عميقًا، وتذكرت تدريباتي أمام المرآة، وتقدمت نحو المنصة.
اللحظة الأولى أمام الجمهور
بدأت بالكلمات الأولى، وكنت أنظر إلى الورقة التي أعددتها. لكن فجأة، خطرت ببالي نصيحة صديق قالها لي:
“انظر في عيونهم، ستجد أن معظمهم لا يهتم بمراقبتك بقدر ما يهتم بما ستقوله.”
رفعت رأسي، نظرت للجمهور، ورأيت وجوهًا عادية، ليست مخيفة كما كنت أتصور. أكملت الحديث، وشيئًا فشيئًا، بدأت أشعر أنني أتحكم في الموقف. حتى إنني أضفت بعض التعليقات الصغيرة التي جعلت البعض يبتسم.
لحظة النجاح
عندما انتهيت، لم أصدق أنني كنت أتحدث لمدة 10 دقائق متواصلة! بدأ التصفيق، وشعرت أنني على قمة جبل. كان إحساس الانتصار على نفسي أقوى من أي نجاح حققته من قبل. لم يكن الأمر أنني تحدثت بشكل مثالي، بل أنني تغلبت على خوفي الذي كان يسيطر علي لسنوات.
بعد التجربة
بعد ذلك الموقف، بدأت أبحث عن فرص أخرى للتحدث أمام الناس. في البداية كانت خطوات صغيرة، مثل أن أشارك بآراء قصيرة في المحاضرات، ثم أصبحت أشارك في ندوات صغيرة. اكتشفت أن الخوف كان مجرد حائط وهمي بنيته أنا في رأسي.