البداية الغامضة: رحلة بدأت بخطأ
كنت شابًا في بداية العشرينات، مفعمًا بالأحلام والطموحات، لكن الحياة لم تكن سهلة كما توقعّت. في وسط ضغوط الدراسة والعمل، وأصدقاء السوء، وجدت نفسي أبدأ بخطوات صغيرة في عالم الإدمان. كانت البداية مع تجربة بسيطة لم أعدها خطيرة: تعاطي المخدرات والخمر في تجمعات غير رسمية، حتى أصبحت عادة أسيرة نفسي، تشغل تفكيري وتهدر طاقتي.
لم أكن واعيًا في البداية لمدى قوة هذا الشر الذي بدأ يسيطر عليّ، وكيف أنه يمحو الأحلام والطموحات، ويجعلني أعيش في دوامة من الكذب والتخلي عن ذاتي. بدأت علاقاتي تنهار مع أهلي وأصدقائي، وفقدت عملي بسبب تردي أدائي وحالات الغياب المتكررة.
المرحلة المظلمة: الغرق وسط الإدمان والتحديات
مع مرور الوقت، تطور الإدمان وأصبح محور حياتي. عشت في عالم موازٍ لا أستطيع الإفلات منه، مليء بالخوف من الانكشاف، والعذاب النفسي، والشعور بالذنب. كانت هناك لحظات عنف داخلي مع نفسي، وحالات انهيار وقعت فيها بمفردي.
رغم محاولاتي المتكررة للابتعاد، كانت القوى التي تربطني بالمخدرات أقوى، ووجدت نفسي أكرر الحلقات نفسها. في تلك المرحلة، عانيت من أزمات صحية ونفسية، وفقدت الثقة حتى في قدرتي على العلاج. دخلت في مشاجرات وصراعات، وعزلت نفسي عن العالم الخارجي، حتى كنت أعيش ككائن محطم على هامش الحياة.
نقطة التحول: شرارة الأمل
في لحظة من الارتباك والضعف الشديد، حدث شيء لم أكن أتوقعه. أحد أصدقائي القدامى، والذي كان يعرف عن معاناتي، ظهر فجأة في حياتي. لم يوبّخني، بل جلس معي وسألني بصدق وأعطاني أملًا لم أعهده منذ زمن. نصحني بأن أبدأ بخطوة صغيرة، وألا أخاف من طلب المساعدة.
هذا اللقاء كان الشرارة التي أضاءت مسارًا جديدًا في حياتي، وشعرت بدافع داخلي قوي يتردد صداه في قلبي: “هل أريد فعلًا أن أعيش هذه الحياة؟ هل أستحق فرصة أخرى؟”
بداية رحلة التعافي: أولى الخطوات
توجهت إلى مركز علاج الإدمان، حيث بدأت مراحل العلاج تحت إشراف مختصين نفسيين وطبيين. كانت البداية صعبة جداً، جسديًا ونفسيًا، خاصة مع أعراض الانسحاب القاسية التي مررت بها. كنت أواجه معارك داخلية عنيفة، بين الرغبة في الاستسلام أو الاستمرار.
لكن الدعم جاءني من الأسرة التي لم تتوقف عن دعمي، ومن المعالجين الذين ساعدوني على فهم نفسي بشكل أفضل، ومن جلسات الدعم الجماعي التي كانت مليئة بقصص من هم مثلي. تعلمت تقنيات جديدة للتحكم في التوتر، ومثابرة على إعادة بناء حياتي من الصفر.
مغامرات التعافي: تحديات وتغلبات
لم يكن التعافي رحلة مستقيمة، بل مليئة بالتحديات. في إحدى المرات، وبعد عدة أسابيع من العلاج، تعرضت لموقف صعب حين قابلت أصدقاء السوء الذين كانوا سببًا في إدماني. كان أمامي خيار حاسم: إما العودة إلى العادة القديمة أو الوقوف بثبات.
اتخذت القرار الشجاع بالابتعاد، رغم شعور الوحدة وألم الفقد. وبعدها، دخلت في أنشطة جديدة؛ مارست الرياضة، وبدأت في تعلم هوايات مثل القراءة والرسم، والانضمام إلى مجموعات دعم نفسي واجتماعي.
وفي مرحلة متقدمة، تمت دعوتي لإلقاء كلمة في مركز دعم، حيث شاركت قصتي وتجربتي، وهذا أعطاني شعورًا عميقًا بالمغامرة الجديدة: مساعدة الآخرين في كسر قيود الإدمان.
الانتصار والتحول: ولادة جديدة
مع مرور شهور وسنوات، استعدت حياتي بالكامل. لم يعد الإدمان يتسلط علي، بل أصبحت أعيش حياة مليئة بالهدف والإيجابية. التحقت بدورات تدريبية، وعملت على تطوير ذاتي، وبدأت أبني علاقات صادقة.
أسرتي التي كانت قلقة بدأت تثق بي من جديد، وأصدقائي الجدد أصبحوا نموذجًا صحيًا في حياتي. أكثر ما أسعدني هو أنني استطعت أن أكون مثالًا حيًا لشباب آخرين عانوا كما عانيت.
أنا الآن أؤمن إيمانًا عميقًا بأن الإرادة، والدعم الصحيح، والإيمان بالنفس قادرون على تحويل أحلك اللحظات إلى نور وأمل.
دروس وعبر من رحلتي
لا تخجل من طلب المساعدة، فمن أقوى الناس من يعرف ضعفه.
التغيير يبدأ بخطوة صغيرة، وكل لحظة تراجع هي فرصة لإعادة المحاولة.
الدعم من العائلة والأصدقاء والمعالجين ركيزة للحياة الجديدة.
تعلم مهارات التحكم في الانفعالات ومقاومة عوامل الإغراء مسألة حياة أو موت.
إحاطة نفسك ببيئة إيجابية تغيّر مسار حياتك جذريًا.
مشاركة تجربتك تعزز من قوتك وتجعلها شمعة تهدي غيرك.