كنتُ دومًا من أولئك الذين لا يعبأون كثيرًا بالعناية بالبشرة. لم أكن أتوقف أمام المرآة طويلًا، ولم أجرّب المنتجات التي تتزاحم على رفوف المتاجر كما تفعل صديقاتي. كانت بشرتي دائمًا جافة، متعبة، تفتقد الحياة، لكنني كنت أقول لنفسي: “هذا طبيعي، هذا أنا، وهذه بشرتي، فلا داعي للقلق.” ولم أكن أعلم أن خلف تلك الجفافات الصغيرة، صرخة مكتومة لبشرة عطشى، تنتظر لمسة حنان، قطرة حياة.
وذات مساء شتويّ، بينما كنت أبحث عن وصفات لترطيب الجلد المتشقق في إحدى المدونات، لفتني عنوان بسيط، لكنه كان يحمل شيئًا من السحر: “الزيت الحلو… سرّ الأجداد لبشرة مخملية.”
ضحكت بيني وبين نفسي وقلت: “زيت حلو؟ ما هذا؟ هل هو زيت الطهي؟ أم نوع من الزيوت العطرية؟”
لكن فضولي كان أقوى من سخريتي، وقررت أن أقرأ أكثر. عرفت أن “الزيت الحلو” هو الاسم الشعبي لـ زيت اللوز الحلو، ذلك الزيت الذهبي الذي يُستخرج من اللوز غير المُر، ويُستخدم منذ قرون لترطيب البشرة وتغذيتها.
اشتريت أول قارورة من متجر صغير للعطارة في زقاق قديم، وكان البائع يبتسم بثقة وهو يقول: “جرّبيه قبل النوم، واشكري الطبيعة بعد أسبوع.”
لم أكن متأكدة إن كان يبالغ، لكن شيئًا ما جعلني أصدّقه.
الأسبوع الأول: بداية الحكاية
في أول ليلة، سكبت بضع قطرات من الزيت في راحة يدي، وسرعان ما فاحت رائحة خفيفة دافئة، تشبه رائحة الحقول في الربيع. بدأت بتدليك وجهي برفق، ثم عنقي، ويدَيَّ، وكل المناطق الجافة التي لطالما تجاهلتها.
لأول مرة، شعرت أنني لا أضع “مستحضراً”، بل أقدّم لبشرتي شيئًا يشبه الحنان.
استيقظت صباح اليوم التالي، ومددت يدي على خدي كما أفعل دومًا. لم أُحس بتغير كبير، لكنه كان أقل خشونة. وهكذا استمريت… كل ليلة، قطرتان أو ثلاث، وتدليك بسيط، ونوم عميق.
الأسبوع الثاني: المفاجأة
في منتصف الأسبوع الثاني، لاحظت شيئًا غريبًا وأنا أضع المكياج. كانت البشرة أكثر نعومة، وبدأت تشعّ بلون ورديّ خفيف. زميلتي في العمل سألتني:
— “هل غيرتِ كريم الأساس؟ بشرتك تبدو أصفى من المعتاد.”
ضحكت، وأخبرتها أن السر هو “الزيت الحلو”، لكن نظرتها كانت ممتزجة بالدهشة والريبة، كما لو أني أحدثها عن إكسير سحري.
الأسبوع الثالث: التحول
بحلول الأسبوع الثالث، أصبحت طقوسي الليلية لا تكتمل دون الزيت. بل بدأت أستخدمه على جسدي بعد الاستحمام، وعلى أطراف شعري، وحتى على الشفاه المتشققة. لم يكن مجرد زيت، بل صار مثل رفيق صامت، يرمّم ما أفسده الإهمال والوقت.
لاحظت أيضًا اختفاء البقع الصغيرة التي كنت أضع عليها كريمات طبية بلا جدوى. وبدأت بشرتي تتحول تدريجيًا من جافة باهتة، إلى بشرة حيّة، ناعمة، مفعمة بالحياة.
الأسبوع الرابع: التصالح
كنت في زيارة لوالدتي، وجلست أمامها دون مكياج. نظرت إليّ، ثم مدت يدها ولمست وجهي بحنان الأم الذي لا يشيخ، وقالت:
— “سبحان الله، وجهك مثل ما كنتِ صغيرة، ناعم ومضيء.”
ابتسمت، ولم أخبرها عن الزيت مباشرة. أردت أن أحتفظ بالسر قليلًا، وكأنني أملك كنزًا.
في تلك الليلة، جلست أمام المرآة، ونظرت إلى وجهي مطولًا. تذكرت كل اللحظات التي أهملته فيها، وتأسفت على السنوات التي مرّت دون أن أقدّم له أبسط حقوقه.
لكنني لم أندم، لأنني وجدت الطريق أخيرًا… طريق العودة إلى ذاتي، إلى أنوثتي، وإلى التصالح مع المرآة.