كنتُ دائمًا شخصًا مشرقًا، أفيض بالطاقة والحياة. كنتُ أنتظر فصل الصيف بشغف لا مثيل له، ففيه تتفتح أزهار روحي. كانت أيامي الصيفية مليئة بالضحكات، والرحلات مع الأصدقاء، والليالي الطويلة التي أقضيها تحت ضوء النجوم. ولكن مع اقتراب فصل الخريف، كان هناك ظل خفي يبدأ بالتسلل إلى عالمي.
في البداية، كان مجرد شعور خفيف بالكسل. تقل رغبتي في الخروج، وأفضل البقاء في المنزل تحت غطاء دافئ. مع مرور الأيام، كان هذا الشعور يتفاقم. يصبح الشتاء بالنسبة لي سجنًا من المشاعر الرمادية. أشعر بالحزن دون سبب واضح، أفقد اهتمامي بهواياتي، وتقل شهيتي للطعام. كان نومي يزداد بشكل ملحوظ، وكأنني أحاول الهروب من الواقع إلى عالم الأحلام. كانت هذه حالة تتكرر كل عام، في نفس الموعد. كنتُ أعرف جيدًا أنني مصاب بـ الاكتئاب الموسمي أو ما يُعرف باسم “الاضطراب العاطفي الموسمي”. كنتُ أعرف أن هذا الظل سينقشع مع أول شعاع دافئ للشمس في فصل الربيع، وأنني سأعود إلى شخصيتي المفعمة بالحياة. كانت حالتي مرتبطة بقلة التعرض لضوء الشمس، وتقلبات مستويات السيروتونين والميلاتونين في دماغي. كنتُ أعلم أن العلاج بالضوء، أو حتى مجرد المشي في أيام الشتاء المشمسة، يمكن أن يخفف من معاناتي.
في نفس المدينة، كان يعيش صديقي أحمد. لم يكن يعاني من تقلبات مزاجية موسمية مثلي، بل كان الاكتئاب رفيقًا ثابتًا له. لا يتذكر أحمد متى بدأت هذه المشاعر، ربما كانت موجودة منذ سنوات طويلة. كان يعيش مع شعور دائم باليأس، وفقدان الأمل. لم يكن الأمر يتعلق بالشتاء أو الصيف، بل كان حالة مستمرة من الثقل العاطفي. كان يُصاب بـ الاكتئاب المزمن (أو “اضطراب الاكتئاب المستمر”)، وهو حالة تستمر لسنوات طويلة دون انقطاع.
كان أحمد يشعر بالوحدة حتى عندما يكون محاطًا بالناس. كان يجد صعوبة في الاستمتاع بأي شيء، حتى الأشياء التي كان يحبها في الماضي. كانت طاقته دائمًا في أدنى مستوياتها، وكان يعاني من مشاكل في النوم، سواء كان الأرق أو النوم المفرط. كان يشعر بالذنب والعجز، وكانت نظرته لنفسه سلبية للغاية. لم يكن يتوقع أن تتحسن حالته تلقائيًا مع تغير الفصول. كانت معاناته أعمق وأكثر تعقيدًا من مجرد تقلب موسمي.
في أحد الأيام، التقينا في مجموعة دعم للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. كنتُ أتحدث عن كيفية تحسن حالتي مع قدوم فصل الربيع، وكيف أن ضوء الشمس يشبه الدواء السحري بالنسبة لي. بينما كان أحمد يستمع، أدركتُ الفرق الكبير بين تجربتينا. كنتُ أتحدث عن فترة محددة، عن شعور يشبه الغمامة التي تزول. أما هو، فكان يتحدث عن سماء غائمة لا تغادر أبدًا.
تحدث أحمد عن شعوره الدائم بالثقل، وكيف أن الأمر لا يقتصر على فصل معين. شرح لي كيف أنه يشعر بهذه المشاعر منذ سنوات، وكيف أنها أثرت على علاقاته وعمله وحياته بشكل عام.
شرحت لنا المشرفة على المجموعة الفروقات بوضوح:
الاكتئاب الموسمي: يظهر في أوقات معينة من العام، غالبًا في الخريف والشتاء، ويختفي في فصول أخرى. تكون أعراضه مرتبطة بالطاقة (زيادة النوم، زيادة الشهية).
الاكتئاب المزمن: هو حالة مستمرة من الاكتئاب الخفيف إلى المتوسط تستمر لمدة سنتين على الأقل. أعراضه أقل حدة من الاكتئاب السريري الكبير، لكنها لا تزول أبدًا. يمكن للمريض أن يكون قادرًا على العمل، لكنه لا يشعر بالسعادة أو الرضا أبدًا.
بعد أن فهمتُ حالة أحمد، شعرت بالتعاطف العميق معه. قدمت له الدعم، وأكدت له أن معاناته لا تقل أهمية عن معاناتي. أما أحمد، فقد شعر أخيرًا أن هناك من يفهمني. لم يكن يشعر بالوحدة بعد الآن، بل وجد في المجموعة أشخاصًا يشاركونه تجربته.
مع مرور الوقت، بدأتُ في التعافي الكامل مع بداية الربيع، بينما بدأ أحمد رحلته العلاجية الطويلة. أدرك أن حالته تتطلب علاجًا نفسيًا وجلسات علاجية، ربما لفترة طويلة، وأنه لا يمكنه الاعتماد على تغير الفصول.
تعلمتُ من تجربة أحمد أن ليس كل حزن يزول مع الشمس، وتعلم هو أن هناك أملًا حتى في أشد الأوقات قتامة. أصبحت قصتنا دليلًا حيًا على أن الاكتئاب ليس نوعًا واحدًا، وأن فهم طبيعة كل حالة هو الخط