في زاوية من زوايا بيتي، جلستُ يائسًا وحزينًا، أُقلّبُ الأيام بمرارة. كانت حياتي مليئة بالضغوطات والمتاعب التي أثقلتْ كاهلي، وأطفأتْ شعلة الأمل في قلبي. لم تعد الألوان لها بهجة، ولا الأصوات لها صدى جميل، حتى أنني ابتعدتُ عن كل من حولي، وكأنني أعيش في عالمي المظلم وحدي.
في يوم من الأيام، زارتني جدتي الحكيمة. جلست بجانبي، ونظرتْ في عيني بحنان بالغ، وقالت بصوت هادئ: “ما بك يا بني؟ أرى قلبك قد ملأه الحزن، ووجهك أصبح باهتًا”. لم أجبها، بل اكتفيتُ بالصمت. فهمت جدتي حزني دون أن أتكلم، وقامت من مكانها بهدوء، وعادت بعد قليل وهي تحمل وعاءً صغيرًا.
كان الوعاء يفوح منه رائحة دافئة ومُريحة. قدمته لي وقالت: “هذه هي البلسم النبوي للروح، اشربها وستجد راحة لا مثيل لها”. نظرتُ إلى الوعاء باستغراب، كان لونه أبيض مائلًا إلى الصفرة، وقوامه كريمي. سألتها: “ما هذا يا جدتي؟”.
ابتسمت جدتي وقالت: “هذه التلبيينة النبوية، التي أوصى بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. قال عنها: ‘إنها تُجم فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن'”. وشرحت لي مكوناتها: إنها تُصنع من دقيق الشعير، والحليب، والعسل.
في البداية، كنتُ مترددًا، لكنني قررتُ أن أجرب. رفعت الوعاء إلى فمي، وتذوقتُ أول ملعقة. كان طعمها دافئًا ولذيذًا، يشبه إلى حد كبير السحلب، لكنه أخف وألذ. شعرتُ وكأن موجة من الدفء والراحة تنتشر في جسدي من الداخل.
بدأتُ في شربها بانتظام كل صباح. وفي كل يوم، كنتُ أشعر بشيء يتغير في داخلي. لم يكن التغيير جذريًا وفوريًا، بل كان تدريجيًا وهادئًا.
رحلة انشراح القلب و جلاء الحزن
مع الأيام، بدأتُ ألاحظ فوائد التلبيينة النبوية على قلبي وحالتي النفسية.
شعور بالراحة والهدوء: كنتُ أشعر باسترخاء كبير بعد تناولها. لقد علمتُ لاحقًا أن الشعير يحتوي على مركبات تُساعد على تهدئة الأعصاب، مما يقلل من التوتر والقلق. كان هذا هو أول خطوة في جلاء الحزن عن قلبي.
تغذية الجسد والروح: كانت التلبيينة تمنحني طاقة كبيرة. شعرتُ أن جسدي أصبح أقوى، وأنني أستعيد قوتي تدريجيًا. هذا التحسن الجسدي انعكس بشكل مباشر على حالتي النفسية، فكلما كان الجسد قويًا، كان العقل أكثر وضوحًا والروح أكثر صفاءً.
عودة الأمل: بدأتُ أُفكّر بإيجابية مرة أخرى. الأفكار السلبية التي كانت تسيطر على عقلي بدأت تتلاشى تدريجيًا. أصبحتُ أنظر إلى المشاكل على أنها تحديات يمكن التغلب عليها، وليس كعقبات مستحيلة.
الارتباط بالسنّة النبوية: لم تكن التلبيينة مجرد طعام، بل كانت علاجًا روحيًا أيضًا. شعوري بأنني أتبع سنّة نبينا الكريم أعطاني شعورًا بالسلام الداخلي والرضا، وهو ما كان له الأثر الأكبر على انشراح قلبي.
بعد مرور شهر، زارتني جدتي مرة أخرى. عندما رأتْني، ابتسمت وقالت: “لقد عاد النور إلى وجهك يا بني، وعادت البهجة إلى عينيك”. ابتسمتُ ورددتُ عليها: “أجل يا جدتي، لقد كانت البلسم النبوي للروح”.
لقد تعلمت من هذه التجربة أن العلاج ليس دائمًا في الأدوية الكيميائية، بل يمكن أن يكون في الأشياء البسيطة التي علّمنا إياها ديننا الحنيف. أصبحتُ الآن أعد التلبيينة بنفسي، وأقدمها لأصدقائي وأهلي، وأروي لهم قصتي، لأنني أؤمن أن الراحة الداخلية تبدأ من العلاج البسيط الذي يجمع بين غذاء الجسد وراحة الروح.