تجربتي مع الطبيب النفسي

كنت دايمًا شايفة نفسي قوية، بضحك كتير، بساعد الكل، ومش بحب أتكلم عن وجعي. لكن الحقيقة؟ أنا كنت بضحك علشان محدش يسألني “مالك”، وكنت بسكت علشان مسمعش جمل زي “كله بيعدّي” أو “خلي إيمانك قوي”. أنا كنت تعبانة، من سنين، بس بستخبى من نفسي. كنت ببكي بالليل ومحدش يعرف، كنت بفضل ساكتة حتى وأنا بموت جوايا، وكان عندي دايمًا إحساس إني تقيلة على الدنيا، وإن مفيش مكان ليا وسط الناس، حتى أقرب الناس ليّا.

فكرت كتير أروح لدكتور نفسي، وكنت كل مرة أقول لأ، مش علشان مش عايزة، لكن علشان خايفة. خايفة أفتح حاجة جوايا ومقدرش أقفلها تاني، خايفة حد يسمعني ويحكم عليا، خايفة يقولوا إني “عندي مشكلة”. بس في يوم، بعد انهيار حقيقي، بكيت بشكل هستيري وأنا لوحدي، قلبي كان واجعني ودماغي مش سايباني، وكنت حرفيًا بصرّخ جوايا: “أنا تعبت”. مسكت موبايلي، وكتبت في جوجل “دكتور نفسي محترم قريب مني”، ولأول مرة خدت خطوة وفعلاً حجزت.

روحت وأنا قلبي بيخبط، مش عارفة هقول إيه، ولا هيحصل إيه، بس كنت داخلة وفيه حتة جوايا بتقول “جايز أرتاح”. أول ما دخلت، كان الاستقبال بارد شوية، وده خلاني متوترة أكتر. قعدت قدام الدكتور، وابتسم وقالي: “قوليلي إيه اللي مضايقك؟”. حسيت وقتها إني عايزة أعيط، مش علشان سألني، لكن علشان أخيرًا حد سألني بجد.

اتكلمت كتير، حاجات كنت فاكرة إني نسيتها، حاجات قديمة أوي من وأنا طفلة، حاجات مخزنة ومخنوقة جوايا بقالها سنين، وكنت متخيلة إنها عدّت، لكن هي كانت بتوجعني لحد دلوقتي. حكيته عن إحساسي إني مش كفاية، عن تعبي المستمر حتى وأنا نايمة، عن علاقاتي اللي كلها كانت بتخلص بإني أبعد، عن خوفي من كل حاجة، حتى من نفسي.

الدكتور كان هادي، سألني أسئلة ذكية، وبعضها خلاني أسكت وأفكر. وبعد ما خلصنا، قالي إن اللي أنا فيه مش “دلع” ولا “مبالغة”، ده اسمه “قلق مزمن واكتئاب خفيف”، وإن العلاج موجود، وإننا هنبدأ بخطوات بسيطة من غير أدوية في الأول. وفعلاً بدأت رحلة العلاج.

كنت بروح كل أسبوع، وكل جلسة كانت بتغيّر حاجة صغيرة جوايا. مش بسرعة، لكن بالتدريج. كنت بكتشف إني طول عمري كنت بعيش علشان أرضي الناس، وإن محدش علّمني أحب نفسي، وإن كل ما كنت بفتكره “عادي”، هو أصل التعب اللي كان بيكسرني. بدأت أفهم إن الوجع النفسي زيه زي الجسدي، محتاج علاج، واهتمام، وصبر.

 

الدكتور مكنش بيقولي حلول جاهزة، كان بيساعدني أشوف، وكان بيمسك إيدي في كل لحظة كنت فيها على وشك أرجع لورا. وبعد شهور، بدأت أنام من غير دموع، بدأت أتكلم وأنا مش خايفة، بدأت أقول “لأ” وأنا مش حاسة إني وحشة، وبدأت أحب نفسي شوية بشوية.

 

أنا لسه بتعالج، ولسه مش مثالية، ولسه فيه أيام بضعف فيها، بس على الأقل دلوقتي، أنا مش لوحدي. وبقيت أعرف إن مش عيب أطلب مساعدة، ومش ضعف أقول “أنا محتاجة أتكلم”، ومش غلط أروح لدكتور نفسي… العيب الوحيد هو إني كنت سايبة نفسي تغرق كل السنين دي.